المكتبة الوطنية بعيدا عن الرقمنة تغرق في لغة الخشب.
خطى المغرب في النصف الأخير من هذا العقد، خطوات كبيرة في مجال الرقمنة، العديد من الإدارات تجيبك في أقل من يوم، بل في حينها أحيانا لتفاجئ بالجواب عبر بريدك الإلكتروني، أو قد يرن هاتفك إيذانا بإستلامك الجواب، مما يسرع المعاملات ويعزز الثقة والشفافية في العديد من الإدارات العمومية المغربية.
في قلب عاصمة المملكة تبرز أحد أيقونات الثقافة الوطنية وتبرز مباهجها لتعكس ثوق المغاربة إلى الحداثة، مديرة المكتبة الوطنية، أحد النسوة الغيورات على الثقافة وتشتغل بطاقة كبيرة إمرأة نشطة وما يزين هذا الجو هو حشود الطلبة والباحثين والإصرار على تنظيم ما أمكن من الأنشطة الفكرية والعلمية، إلا أن ما يكسر هذا الإحساس الرائع هو وقوف العديد من الكتاب، وناشروا الدوريات، والمجموعات المتخصصة ومودعوا البرامج السمعية البصرية، تائهين يقتلهم الإنتظار في إنتظار هذا الرقم العجيب المسمى رقم الإيداع القانوني، فمن المفروض أن الرقمنة تعمل على تبسط الإجراءات وإختصار عنصر الزمن، لكن هذا الحلم يصبح صعب المنال في المكتبة الوطنية ويتبخر كما تتبخر قطرات الندى مع لهيب قيض هذا الصيف.
وحتى يفهم القارئ أن هذا الرقم المسمى الإيداع القانوني هو أشبه ببطاقة الهوية لإبداعات أي مبدع إنه أشبه برسم الولادة لمولود عانى المبدع معه آلام الولادة وعسر المخاض، فكل مؤلف لم يحصل على هذا الرقم فكأنما تعرض لإجهاض جنين قبل الولادة، ولن يرى إبداعه النور.
يحكي لي من سبقنا لهذا الألم أن طلب الحصول على هذا الرقم كان يتم يدويا تضع استمارتك وتحصل على رقمك في دقائق. أي من المفروض في عصر التكنولوجيا وفي قلب أيقونة الثقافة، بدل هذا التعقيد في عصر الرقمنة، والمنصات الإلكترونية أن تكون هذه الأيقونة رائدة في الرقمنة، بدل تسويف المبدعين، حتى أصبح العديد منهم يلعن هذه الحداثة والعولمة والرقمة، ويتمنى لو عادت الأمور إلى العهد القديم بدل الدوران في حلقة مفرغة وتكرار التكرار لإستهلاك الزمن.
قبل سنيتن توقف الموقع الإلكتروني بدعوى اختراق جزائري فقلنا قدر الله وما شاء فعل، رغم أن هذا الأمر يعتبر خطيرا إذا مس الإرث المكتبي المغربي. ثم توقف لمرة أخرى ليترك المبدعين عرضة للتسويف والتماطل وهدر الزمن، في مكتبة تتباهى بها عاصمة المملكة.
الأخطر اليوم أنك تتقدم بطلب بمنطق الرقمنة وتظل في الإنتظار وحينما يطول الوقت وتسأل عن المآل يكون الجواب “يكون خير” دون أن يعرف هذا المودع متى سيتمكن من إصدار إبداعه. في إنتظار رقم الحظ الذي قد يأتي أو لا يأتي.
فهل يأمل الكتاب والمؤلفين والمبدعين خيرا في السيدة المديرة لتفادي أعطاب الإدارة الدامسة؟
مشاركة المحتوى:
إرسال التعليق