ربع قرن من حكم الملك محمد السادس: في فلسفة النهوض بالحداثة والتنمية والديمقراطية.
بقلم : أ. عبد المنعم الكزان
يمر ربع قرن على تولي جلالة الملك محمد السادس حفظه الله عرش اسلافه الميامين ،لقد تحققت خلال فترة حكم جلالة الملك العديد من الإنجازات والملاحظ أن استراتيجية جلالته تتسم برؤية تعتمد على منهج صارم على مستوى تحديد الأوليات الكبرى دون اغفال العمل على الملفات ذات الطابع الاستعجالي، والجدير بالذكر أن المرحلة الأولى اعتمدت تكريس المفهوم الجديد للسلطة، من خلال القيام بمجموعة الإصلاحات الديمقراطية من أجل تعزيز وبناء دولة الحق و القانون من خلال العمل على طي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وإنجاح تجربة العدالة الانتقالية، لينتقل جلالته إلى فتح العديد من الأوراش الاقتصادية الكبرى منذ 2004، والتي شملت التركيز على البنية التحتية بدءا من بناء الطرق لفك العزلة في العالم القروي، طرق سيارة، محطات القطارات، محطات الطرق، مطارات ، موانئ بحرية، أو برامج النهوض بعدة قطاعات ومن بينها القطاع الفلاحي أو الصناعي أو الطاقات المستدامة، لينطلق جلالته إلى السير بالسرعة القصوى في مجال تقليص الفوارق الاجتماعية كأساس لبناء الدولة الاجتماعية ارتكزت على أرضية تنموية هذا الأمر أدى إلى تسريع تفعيل سياسة مجالية جديدة تعتمد على الدفع إلى تنزيل اللامركزية والتمركز الإداري قصد تكريس الديمقراطية المحلية ، كأساس فيها الجهوية المتقدمة.
ويبقى المفهوم الجديد للسلطة أساس فلسفة حكم جلالته والتي بلورت من خلال ثابت جديد ينضاف إلى ثوابت المملكة وهو الالتزام بتكريس دولة الحداثة والديمقراطية كأساس بناء الدولة الاجتماعية، والتي بلورت الى السياسات العمومية للتعليم لما لها من أهمية في تكوين الأجيال المقبلة ودورها في بناء الكفاءات الوطنية من أجل إلحاق المغرب بالدول الصاعدة.
إن جلالة الملك اعتمد خطة ترصيد المكتسبات عبر مراحل، هذه الاستراتيجية ساهمت في انجاح العديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق الاستثناء المغربي لقد شهد ربع قرن من الحكم إنجاز مشاريع ضخمة غيرت وجه المغرب وحجزت له مكانا بين الدول الصاعدة.
لقد كان لفلسفة جلالته في السلطة عدة مظاهر سواء تغيير سلطة الولاة والعمال والإدارة الترابية كما تغيرت أيضا طبيعة اختياراته لتتحول من الهاجس الأمني إلى الهاجس الاقتصادي التنموي وتقوية المؤسسات الديمقراطية ، و السهر على تقوية مصداقية المؤسسات التمثيلية وضبط المسؤوليات سواء بالنسبة للسلطات العمومية والأحزاب السياسية وتوفير ضمانات لنزاهة الانتخابات، كما عمل جلالته على تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الشيئي الذي يسهم في تقوية مصداقية المؤسسات،
وفي اطار تكريس مبدأ العدالة والمساواة حظيت قضية المرأة والأسرة باهتمام بالغ من لدن جلالته من خلال الدفع بعدة إصلاحات سواء على مستوى المؤسسات أو القوانين، باعتبارها جوهر الأسرة المغربية ، في إطار الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، ومقاصد الدين الإسلامي السمحة، و إعمال الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية، بما يتماشى مع وروح العصر.
وتماشيا مع فلسفة جلالته في بناء دولة العدالة الاجتماعية أعلن جلالته عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ثم النموذج التنموي، قصد محاربة الهشاشة والفقر و تحقيق التنمية والتضامن الاجتماعي، فمنذ اعتلائه العرش كان جلالته حريصا على جعل مشروع بناء مجتمع الديمقراطية و الحداثة كأولوية تتصدر اهتماماته، حيث دافع عن تكريس الممارسة الديمقراطية وإرساء قواعدها ودعم آليات اشتغالها، اضافة إلى الالتزام بتكريس قيم المواطنة والالتزام بمبدأ دولة الحق والقانون، والوعي بأن هذا بالخيار الاستراتيجي هو مشروع إصلاحي شامل يقوم على دمقرطة الحياة السياسية وتغيير وتأهيل المشهد السياسي الوطني.
وتكريسا للمسالة الديمقراطية على المستوى المحلي والجهوي و دعا جلالته إلى إطلاق ورش الجهوية المتقدمة مما أدى إلى إحداث تغيير عميق في هياكل الدولة، باعتباره الطريق الناجع لمعالجة الاختلالات المجالية، والاستجابة لمطالب المغاربة بشكل اكثر فعالية، بشكل يتماشى مع ايجاد حلول لمشاكلهم وطموحاتهم .
أما على مستوى التعاطي مع الملف الاقتصادي فرغم التوجه الليبرالي للمغرب بقيادة جلالته، فان ذلك لن يقف أمام طموحات المغرب وبحيث لم يقتصر فقط على الشركاء التقليديين، بل اعتمد سياسة ”رابح رابح” بالشكل الذي جعله منفتحا على الدول التي تنتمي إلى مدارس أخرى على رأسها الصين وروسيا ثم الهند والبرازيل مما أكسب المغرب هامشا كبيرا من التحرك على المستوى الاقتصادي الشيئي الذي أسهم أيضا من قوة المغرب على المستوى الدولي في عدة مستويات، الشيئي الذي مكن أيضا من استثماره أيضا على المستوى الديبلوماسي وخصوصا في الدفاع عن الوحدة الترابية .
وفي إطار ترسيخ الهوية المغربية تم اعادة الاعتبار للغة الأمازيغية كلغة رسمية، كما تم إعادة الاعتبار للإسلام المغربي السمح الذي ينبني على العقيدة الأشعرية كألية لتحصين المغاربة من الارهاب والتطرف العنيف، ليصبح المغرب تجربة فريدة في مجال محاربة الإرهاب ومكافحة التطرف العنيف رهن إشارة عدة دول سواء في أروبا أو مع شركائه في افريقيا، وهي تجربة أساسها الارتكاز على مجموعة من الآليات سواء تكوين الأئمة و إعادة تدبير تنظيم المساجد و تكوين فئة المرشدين والمرشدات حتى يتكرس الإسلام المغربي الذي يتسم بالتسامح والاعتدال والتعايش، كما تم العمل على الاحتفاء بالتنوع والتعدد الثقافي في المجتمع المغربي وتأطيره قصد تثمين مختلف المقومات والروافد ،
أن فلسفة التنموية جلالة الملك التنموية التي انطلقت منذ اعتلائه عرش اسلافه الميامين، ثم اسمرت مع المبادرة الوطنية للتنموية البشرية ستستمر مع النموذج تنموي جديد، باعتباره تقييم للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتي دعا فيها و إيجاد للحد من لا مساواة وتكريس الفوارق الجمالية.
كما دعا جلالته الى تحقيق تنمية متوازنة ومنصفة تضمن كرامة جميع المغاربة وتوفر الدخل وفرص العمل، خاصة الشباب . قصد تحقيق و الاستقرار والاندماج في الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية، باعتبارها أي مواطن . وفي إطار دفاع جلالته عن الديمقراطية التشاركية، وضمان لإشراك أكبر عدد من المواطنين من خلال العديد من الهيئات و المنظمات المدنية شكل الملك لجنة خاصة لصياغة النموذج تنموي ، والتي قامت بعد ذلك تقديم تقريرها لجلالته يتضمن نتائج وتوصيات هذا العمل التشاوري بخصوص النموذج التنموي باعتباره رؤية للمغرب الى غاية سنة 2035.
وبعد الدعاء لجلالته بالصحة والعافية وطول العمر، وأن يقر عينه بولي عهده سمو الأمير مولاي الحسن، لا يمكننا إلا الإشادة بتجربة ربع قرن من حكمه المتميز والفريد في تاريخ المغرب. ورغم صعوبة استعراض جميع جوانب حكمه، فإن الأثر الإيجابي الذي أحدثه جلالته يبقى جلياً في شتى المجالات، على الصعيدين الداخلي والخارجي.
مشاركة المحتوى:
إرسال التعليق