جاري التحميل الآن
×

المحكمة الدستورية وسيناريوهات التأسيس لممارسة حق الإضراب في المغرب.

المحكمة الدستورية وسيناريوهات التأسيس لممارسة حق الإضراب في المغرب.

ذ. محمد الكشولي، خبير دستوري

يعتبر الحق في الإضراب من الحقوق الأساسية للإنسان، حيث ظل مكفولا في جميع الدساتير المغربية مند دستور 1962 وقد تم تكريسه في الدستور المغربي لسنة 2011. ورغم أهميته، ظل هذا الحق بدون قانون تنظيمي يحدد شروطه وكيفيات ممارسته، إلى حين طرح مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتنظيم حق الإضراب في البرلمان لأول مرة سنة 2016. والذي تم إحالته إلى المحكمة الدستورية للنظر في مدى مطابقته للدستور،سواء من حيث الشكل أو المضمون،وذلك بعد المصادقة عليه في 4و5 فبراير 2025 من طرف غرفتي البرلمان، مع تسجيل بعض العيوب التي شابت عملية التصويت المتمثلة في غياب 73 في المائة من النواب عن جلسة التصويت ، مما أثار جدلا واسعا وقوبل بانتقادات شديدة من طرف النقابات والمنظمات الحقوقية، وذلك لما تضمنه من قيود وتضييق على ممارسة هذا الحق وما يترتب عليه من مصادرة المكتسبات الاجتماعية.

وفي هذا السياق، تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، الذي لاشك أنه سوف تراعي من خلاله توازنات بين توسيع ضمانات ممارسة الحق في الإضراب،وتحسين مناخ الاستثمار وضمان التوازن بين الحق في ممارسة الإضراب وحرية العمل. فالتأشير الوجوبي على هذا القانون التنظيمي من طرف المحكمة الدستورية هو الأمل الأخير في تجويده و الباعث على الاطمئنان وبالتالي تطهير بعض المواد المخالفة لروح الدستور بقرارها التأويلي الذي لا يقبل الطعن من خلال اجتهادها القضائي.

وعليه، فمشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بحق الإضراب الذي يجب أن تنظر فيه المحكمة الدستورية داخل أجل ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ الإحالة عليها، ويمكن أن تتقلص هذه المدة إلى ثمانية أيام في حالة الاستعجال بطلب من الحكومة.

هذه الإحالة تتيح للمحكمة الدستورية ثلاثة خيارات رئيسية بخصوص هذا القانون، إما بقبوله كليا أو رفضه كليا أو رفض بعض مواده إن اعتبرت المحكمة القانون أو بعض مواده مخالفا لروح ونصوص الدستور أو للمواثيق الدولية التي صادق عليه المغرب :

أولا التصريح بدستورية القانون، وهو السيناريو الذي يسمح باستكمال المسطرة التشريعية عبر نشره في الجريدة الرسمية وتنفيذه، والذي سيمنح الحكومة غطاءا قانونيا لتنظيم ممارسة حق الإضراب وفق الشروط التي حددها مشروع القانون التنظيمي.

ثانيا التصريح بعدم دستورية بعض المقتضيات، وفي هذا السيناريو، ستعيد المحكمة الدستورية القانون إلى البرلمان لإدخال تعديلات تضمن انسجامه مع أحكام الدستور، خاصة فيما يتعلق بالقيود المفروضة على ممارسة الإضراب والعقوبات التي يتضمنها هذا المشروع.

ثالثا التصريح بعدم دستورية القانون بكامله، وهو سيناريو مستبعد، لكنه يظل ممكنا إذا اعتبرت المحكمة أن القانون يتعارض جوهريا مع مبادئ الدستور والمواثيق الدولية.

وفي هذا السياق ،فإن أهم الانتقادات الموجهة لمشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بحق الإضراب،أنه جاء ببعض المواد التي تحد من ممارسة حق الإضراب، وتجعله خاضعا لشروط وإجراءات معقدة، ومن بين هذه القيود والانتقادات:

غموض بعض المفاهيم (المواد 5و 20و 34): يستعمل مشروع القانون بعض المصطلحات والمفاهيم التي تتسم بالغموض وعدم الدقة ، مما يفتح الباب للتأويلات والتفسيرات المختلفة، ويجعل تطبيق القانون عمليا صعبا. مثل (الأهداف السياسية ، المرافق الحيوية و القطاعات الحيوية…).

وخلاصة لما سبق فإن مشروع القانون التنظيمي 97.15، رغم أهميته، يتضمن العديد من النقاط السلبية التي قد تجعل بعض مواده غير مطابقة للدستور،و المعايير الدولية لحقوق الإنسان، و تفرغه من محتواه. لذا، فإن أمام المحكمة الدستورية مرحلة مفصلية تاريخية لإصدار قرار اجتهادي تأويلي جديد يؤسس ويكرس لممارسة حق الإضراب الذي يعد من أهم الحقوق والحريات الأساسية، وبالتالي فإن مراجعته لكي يطابق مبادئ الدستور يعتبر أمراً ضرورياً، بما يضمن حماية حق العمال في الإضراب، ويساهم في الاستقرار في علاقات العمل ، وتعزيز أسس الدولة الاجتماعية و آليات الحوار بين الأطراف الاجتماعية. وبالتالي تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي والاستقرار المهني والعملي.

  • اشتراط في (المادة 16) موافقة ثلاثة أرباع العمال: لاعتبار الإضراب قانونيا، وهو شرط تعجيزي يصعب تحقيقه، خاصة في المؤسسات الكبيرة.
  • منع الإضراب في بعض القطاعات (المادة 20و34): يعتبر مشروع القانون أن الإضراب ممنوع في مجموعة واسعة من القطاعات الحيوية، مما يفرغ هذا الحق من محتواه.
  • تجريم الإضراب (المواد 40-41-42-4-44): يتضمن مشروع القانون عقوبات زجرية قاسية على العمال الذين يمارسون حقهم في الإضراب، وهو ما يعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان.
  • إقصاء النقابات وبعض الفئات( المادة 2و 14): مشروع القانون حصر الإضراب بفئة الأجراء فقط واستثناء فئات مهنية أخرى ، كذلك همش دور النقابات في الدعوة إلى الإضراب، ويشترط الحصول على ترخيص من السلطات الحكومية قبل ممارسة هذا الحق، وهو ما يعتبر تدخلا في العمل النقابي.

مشاركة المحتوى:

تعليق واحد

comments user
D

كلام في صميم بالتوفيق .د.

إرسال التعليق

المزيد