“بابا نويل” والمشهد السياسي المغربي.. أمنيات مؤجلة على أعتاب العام الجديد.
قلم المرسول مع الأستاذ عبد المنعم الكزان
أمنياتنا نحن البسطاء لا تبدو كبيرة مع نهاية هذا العام، إذ تتنقل الأحلام بين آمالنا المستقبلية وتطلعاتنا التي تتشكل في ليالي الشتاء الباردة، على أمل أن يجلب “بابا نويل” في نهاية السنة، أو ربما “باعيشور” أو “سيدنا قدر”، معه التغيير الذي طال انتظاره. إنها أمنيات نهاية العام فقط، حيث يكثر الحالمون الذين ينتظرون الفرج كما ينتظر الأطفال مجيئ “بابا نويل” يمتطي مزلاجة على الجليد يجرها ثمانية حيوانات من حيوان (الرنة)، راجين أن تحمل هذه الأوقات حلولا للأزمات الإجتماعية والإقتصادية. وبينما نمني أنفسنا بهذه الأحلام الطيبة التي نرسمها في مخيلتنا، يبقى الواقع يحمل تحديات أصعب.
هناك حقيقة يحاول العديد من الفاعلين الإعلاميين إخفاءها، لكنها تبرز في كل لحظة على الساحة السياسية المغربية من خلال تقارير هيئات الحكامة أو تصريحات والي بنك المغرب، لتؤكد أن حكومة عزيز أخنوش لا تملك لوحة القيادة. الحكومة التي تم تشكيلها في ظروف خاصة، استبشر بها المغاربة خيراً بعد عقد من هيمنة حركات الإسلام السياسي وبهرجة بنكيران، خرجت كمن ينتظر هدية أعياد الميلاد بعد وعود كبيرة قُدمت خلال الإنتخابات. ومع ذلك، تبدو الحكومة اليوم عالقة في مأزق واضح، حيث تفتقر إلى رؤية استراتيجية تمكنها من ضبط مسار الأمور.
تسير الأوضاع الإجتماعية على إيقاع سلبي متسارع دون ملامح واضحة أو توجهات محددة. المواطنون المغاربة، الذين كانوا ينتظرون حلولاً ملموسة لأزماتهم اليومية، يجدون أنفسهم محاصرين بأوضاع إقتصادية وإجتماعية تزداد حدة يوماً بعد يوم، دون أن يظهر في الأفق أي مؤشر على قدرة الحكومة على تحسين أوضاعهم، خاصة وهي على مشارف نهايتها.
ما زاد من قتامة المشهد هو أن التعديل الحكومي الأخير لم ينجح في تحقيق التطلعات. بدل أن يأتي بجيل جديد من الكفاءات والطاقات القادرة على مواجهة التحديات الوطنية، اقتصر على تغييرات شكلية لا تلامس جوهر المشكلات الحقيقية التي يعيشها المغاربة. وبدا واضحاً أن هذا التعديل لم يكن استجابة فعلية لمطالب الشارع، بقدر ما كان مجرد تعديل شكلي باستثناءات قليلة لا تتجاوز عدد أصابع اليد. هذه التعديلات المخيبة للآمال كشفت عن أزمة عميقة في إدارة الأولويات السياسية والإقتصادية، وأكدت أن الحكومة لا تزال تدور في فلك المصالح الضيقة بعيداً عن هموم المواطنين.
على الجانب الآخر، تبرز أرقام المندوبية السامية للتخطيط كمؤشر على الوضع المأزوم. فقد ارتفع معدل البطالة إلى 21.3% خلال عام 2024، فيما سجل معدل التضخم 0.8% في نوفمبر من نفس العام. هذا التزامن مع غلاء الأسعار زاد من العبء على المواطنين الذين يعانون أصلاً من تدهور قدرتهم الشرائية وغياب سياسات حكومية ناجعة. أصبحت وعود حكومة أخنوش بالنسبة للكثيرين مجرد سراب في صحراء قاحلة، مع تزايد الشكوك حول قدرتها على تقديم حلول حقيقية تنقذ الوضع قبل نهاية ولايتها.
ورغم هذا كله، تبدو الحكومة عالقة في دائرة مفرغة، حيث تهيمن المصالح الشخصية لبعض الأطراف والتعيينات المرتبطة بالعلاقات والشركات. هذا الواقع يعوق التقدم نحو أي إصلاحات جدية. الأسوأ أن هناك شبهات متزايدة حول تعارض المصالح، في ظل هيمنة مصالح رئيس الحكومة عزيز أخنوش التي تعود إلى عهد حكومة “عفا الله عما سلف”، مع صفقات مشبوهة كالتكوين المهني للطالبي العلمي، وأسهم مولاي حفيظ العلمي، وعلاوات صلاح الدين مزوار، وصولاً إلى توظيف الأبناء والموالين وفتح المجال لإرتفاع أسعار المحروقات.
بالتالي، لا مبرر لعبد الإله بنكيران المهووس بالسلطة و الإنتقام لدرجة المرض النفسي للخروج للحديث عن مصالح أخنوش، وهو نفسه الذي ضحى بالعثماني من أجل صلاح الدين مزوار، وأدخل أخنوش إلى حكومته بتكلفة سياسية كبيرة.
يظهر بوضوح أن المغرب بحاجة إلى قيادة قادرة على تجاوز هذه الأزمات. غياب لوحة القيادة، وارتفاع البطالة، وغلاء الأسعار، بالإضافة إلى غياب رؤية واضحة في التعديل الحكومي الأخير، يجعل من الصعب على المغاربة تصور مستقبل أفضل في ظل هذا الواقع المربك.
ومع اقتراب نهاية السنة، تأمل القلوب أن تحمل السنة القادمة بوادر تغيير حقيقي. تطلعات المغاربة تتجه نحو إصلاحات جذرية تعيد الثقة في المؤسسات السياسية وتضع حدا للأزمات الإقتصادية و الإجتماعية المتصاعدة. ورغم قتامة المشهد، يبقى الأمل معقودا على ولادة رؤية جديدة تضع مصلحة الوطن والمواطنين في صلب الأولويات.
مشاركة المحتوى:
إرسال التعليق