جاري التحميل الآن
×

حكومة الباطرونا: خطر على الخيار الديمقراطي.

حكومة الباطرونا: خطر على الخيار الديمقراطي.

يعرف المشهد السياسي المغربي في العشرية الأخيرة تزايد نفوذ أصحاب رؤوس الأموال الكبرى ورجال الأعمال في مراكز صنع القرار السياسي والاقتصادي، ظاهرة تعرف مجازا ب “حكومة الباطرونا”. ومما لا شك فيه أنها ظاهرة تطرح تساؤلات جادة بخصوص مآل الديمقراطية والتوازن بين العدالة الاجتماعية والمصالح الاقتصادية في المغرب.

إن أولى التمظهرات التي تؤدي إلى نشوء لوبيات ضغط تؤثر بصورة مباشرة على صياغة القوانين والسياسات العامة هي تداخل السلطة والثروة وذلك من خلال تنصيب رجال أعمال في مناصب حكومية حساسة وفي قطاعات اجتماعية، فعندما يصبح الوازع الأساسي للقرارات السياسية لفئة محددة منحصرة في المصالح الاقتصادية فإن مفهوم المصلحة العامة يتهاوى لا محالة لصالح المصالح الخاصة.
إذ يتحول البرلمان الذي من المفترض أن يمثل ارادة الشعب إلى منبر لتمرير قوانين تصب في مصالح أصحاب رؤوس الأموال، وهذا ما يترتب عليه إضعاف المؤسسات الديمقراطية، مما يكرس معه تقلصا في المساحة المتاحة للمعارضة وهو ما يؤثر سلبا على التعددية السياسية والتعاقب السلمي على السلطة.

فحكومة الباطرونا تكرس اتساع الهوة بين الاغنياء و الفقراء،اي توسيع الفجوة الاجتماعية.ففي مقابل تركيز السياسات الاقتصادية على دعم و تحفيز الاستثمار بالاضافة الى تقديم امتيازات و إعفاءات ضريبية للشركات الكبرى تتقهقر الاهتمامات بالعمال و بالفئات الهشة داخل المجتمع.

و إذا كانت الديمقراطية ترتكز اساسا على عقد اجتماعي يكفل التوازن بين مختلف مكونات المجتمع ،فإن هذا التوازن يختل حال هيمنة فئة الباطرونا على مراكز القرار،و به يبدأ الاحساس بالمواطنة والانتماء بالتلاشي لدى فئات مهمة داخل المجتمع،مما يفتح الباب امام تهديد السلم الاجتماعي.

و إذا كانت أهم تمظهراتها التحكم في الاعلام والخطاب العام،اذ ان تفشي سيطرة ذوي رؤوس الاموال الى المشهد الاعلامي ، بطرق محتلفة سواء عن طريق امتلاك منابر اعلامية او التحكم في وسائل الإعلام يضيق الخناق على حرية الصحافة و استقلاليتها،ومعه يشتت قدرة المواطنين على الحصول على معلومات واقعية تساهم في تكوين اراء متوازنة و مستنيرة. فضرورة الحديث عن بديل هي حاجة ملحة اليوم من خلال تبني اصلاح حقيقي لمجابهة هاته المخاطر على الخيار الديمقراطي الذي انخرطت فيه المملكة ،عن طريق مباشرة إصلاحات تهم الفصل بين السلطة و الثروة،و ترسخ آليات المساءلة و الشفافية، و تقوي دور المجتمع المدني في الرقابة على السياسات العامة.

إن ما يفترضه ترسيخ الخيار الديمقراطي فرض توازن بين ما يتطلبه النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وفصلا واقعيا بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة،ماعدا ذلك فإننا نسير باتجاه صورة مشوهة للديمقراطية،ديمقراطية جوفاء تخفي في جوهرها هيمنة “الباطرونا”على مقدرات البلاد و على مستقبلها.

مشاركة المحتوى:

إرسال التعليق

المزيد