بين خطاب التبرير الحكومي ومنهجية التقصير الإعلامي: أوجار وسليم الشيخ نمودجا.
قلم المرسول مع الأستاذ عبد المنعم الكزان
فرانكلين روزفلت: إبان الأزمة القائد الحقيقي لا يبحث عن المبررات ولكن يبدع الحلول.
الرجل الحكيم لا يؤسس المستقبل على الأعذار، بهذه العبارة يمكن أن نوجز النهج الذي تتبعه الحكومة المغربية الحالية، التي تقدم نفسها كحكومة ذات توجه ليبرالي اجتماعي، بينما تلقي باللائمة على الحكومات السابقة لتبرير إخفاقاتها.
القيادي الكبير في حزب التجمع الوطني للأحرار، محمد أوجار في معرض جوابه في برنامج “نقطة إلى السطر” بالقناة الأولى. حول أزمة البطالة المتفاقمة، بدى وكأنه يتنصل من المسؤولية السياسية لحزبه رغم أن حزبه كان ولا يزال ركيزة أساس في حكومات هذا الوطن منذ تأسيسه في 1978 وعاشر جل التوجهات والمرجعيات.
للأمانة وحتى أكون صادقا لقد كان السيد أوجار أفضل بكثير في تسيير قطاع العدل مقارنة بالحكومة الحالية ولازلت مستغرب أنه لم يتقدل هذه الحقيبة حتى يعفي القضاة من عناء المتابعات التي شملت العديد من الصحفيين من طرف وزير العدل الحالي عبد اللطيف وهبي، كما أن الرجل يمكن أن يحسب ضمن خانة رجالات الدولة القلائل، وكان لي شرف أن أكون مديرا محليا للانتخابات دائرة الرباط المحيط إبان ترشح أوجار في الانتخابات التشريعية لمنافسته أجبابدي في تلك المرحلة وكلا المرشحين كانا نشيطين في المرحلة الطلابية، ثم بعد ذلك في الجمعيات الحقوقية هذه الخلفيات كلها جعلت من محمد أوجار عنصرا فريدا داخل حزب التجمع.
لم أكن أرغب في تسليط الضوء على الخطاب الذي يروجه أوجار وإلى جانبه العديد من قيادات الأحرار والذي يتنصل من الموروث السياسي لأزمة التشغيل بدون اعتراف بكون حزبه لعبه دورا أساسيات في رسم السياسيات العمومية في مجال محاربة البطالة، والذي يقر بكونها غير فعالة في الحد منها. وأستخضر هنا قول كليمنت أتلي رئيس وزراء بريطانيا السابق وهو بالمناسبة محسوب على الصف الديمقراطي الاجتماعي أن القيادة الحقيقية هي تتحمل المسؤولية لا أن تقوم تصديرها.
لابد أن نقر النتائج التي أظهرها الإحصاء العام للسكن والسكنى الأخير أكثر صادمة، حول البطالة و التي بلغت ٪21.3 و التي جائت مختلفة مقارنة بالإحصاءات الفصلية التي بلغت 13.6%. مما يفسر أولا إرتفاع الشغل الناقص والشغل المؤقت والإقتصاد الغير مهيكل.
اللبرالية الإجتماعية وبناء الدولة الإجتماعية التي لطالما تغني بها كادت الأحرار وبعض المسؤولين الحكومين في أحزاب مشاركة لا تظهر نتائجها خلال هذه الأرقام، ما أعرفه أن هذه المرجعية أكدت باستمرار على ضرورة التوفيق بين النمو االإقتصاد ومبدأ العدالة الاجتماعية. لكن واقع الأمر أن هذه الحكومة بدل ذلك تكرس لتصور اقتصادي يكرس اللامساواة الإجتماعية، حيث أن أغلب المستفيدين من السياسات هي النخبة الإقتصادية على حساب الفقراء والمهمشين وجحافل المعطلين.
فالفئات المحوسبة على الشباب تعيش الضياع الإجتماعي بدون فرص التشغيل. و بعض البرامج الحكومية تتجه إضعاف المقاولات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل أساس أي اقتصاد وطني قوي. بحيث أن الاقتصاد والوطني لا زال يتجه إلى أن يصبح في يد قلة مهيمنة، في ضرب صارخ لكل وعود ببناء الدولة الاجتماعية.
إن معضلة التشغيل تتجاوز كونها مرتبطة بأرقام فقط، ولكنها مرتبطة بثقة المواطنين في قدرات المسؤولين على القطاع الحكومي على إبداع حلول. فالحديث عن معدل النمو والمؤشرات الإقتصادية وحجم الاستثمار لا يجوى منه مالم ينعكس على المجتمع، في إطار توزيع عادل للفرص بدل توزيع الريع، بعيدا عن تكرار خطابات الإتهامات التبريرات، لأن المستقل لا نبنيه بالتبرير بل بالإشتغال.
يبدو أن مسؤولي قناة 2M يحتاجون كذلك إلى برنامج “نقطة إلى السطر” على غرار قيادي الأحزاب السياسية، ففي الوقت الذي يتجه المغاربة بشكل تلقائي إلى السرعة القصوى من تقوية الجبهة الداخلية حول القضايا الوطنية وفي الوقت الذي عرف الترافع عن وحدتنا الترابية إنصارات دبلوماسية كبيرة بقيادة جلالة الملك، وفي الوقت الذي هناك سياق إقليمي ودولي مضطرب، نشرت هذه القناة خريطة مبتورة للمملكة على موقعها الإلكتروني وهي ليست سوى حلقة جديدة من سلسلتها الطويلة من الأخطاء، وكأن دوزيم غير معنية بالقضايا الوطنية للمغاربة، وما يجعل هذه الأخطاء أكثر فداحة هو تكرارها؛ ففي سنة 2016، حدث خطأ مشابه في برنامج فني ترفيهي شهير حيث عرضت خريطة للمغرب دون أقاليمه الجنوبية، وذلك تحت إدارة نفس المدير وهو سليم الشيخ الذي يترأس القناة منذ في مسؤوليته 2008، في مسؤولية عابرة للدساتير والحكومات، لقد باتت مثل هذه الأخطاء المتكررة تثير تساؤلات عديدة عن كفاءة هذه القيادة، وعن مدى اهتمامها بالدفاع عن القضايا الوطنية التي تعتبر من أولويات الإعلام العمومي.
النشطاء المغاربة الذين عبروا عن غضبهم، طالبوا باتخاذ خطوات جريئة تشمل الإعتذار رسمي وفتح تحقيق لتحديد المسؤوليات عن هذا التهاون والإستفزاز. فالمسؤولية هنا لا تقع فقط على العاملين بالقناة، بل تشمل قيادتها، سيما مديرها سليم الشيخ، الذي لم يظهر مدة عقد تتجاوز العقد من الزمن قدرة على منع تكرار نفس الأخطاء و الرفع من منسوب البرامج التي تهتم بالقضايا الوطنية للمغاربة، فرحلة الحج التي ورد فيها الخطأ الأخير مثلا كانت يمكن أن تسلط الضوء على طريق سجلماسة و طريق مراكش بإسهاب، وكيف كان الإمبراطورية المغربية تجهز رحلات الحجيج.
هذه القضية تفتح المجال لفتح النقاش حول ضرورة الإصلاح الشامل في منظومة الإعلام بالمملكة. حتى يصبح الإعلام له دور محوري كأداة ترافعية عن قضايانا والتعريف بتاريخ المملكة العريق، فالإعلام ليس مهنة فقط إنه مسؤولية اجتماعية، الكاتب الأمريكي نورمان ميلر.
القنوات الإعلامية التي تمول من أموال دافعي الضرائب، عليها أن تكون إنعكاسا لهموم وقضايا وطموحات الشعب الأساسية، لهذا فإن إصلاح هذا القطاع لن يتحقق بالتحقيقات أو الاعتذارات، إنه يقتضي إعادة النظر في القيادة الحالية والخط التحريري الذي أفرز مثل هذه الأخطاء، والأن وقبل أي وقت مضى، يجب على 2M أن تضطلع بأدوارها الوطنية، الإعلام ليس ترفا فقط.
الشعب المغربي لايطلب الشيئ الكثير إن يطلب إعلاميا في حجم لتطلعات يدافع عن قضاياهم، بدل الأخطاء المستفزة والدفاع عن تاريخ مزور لدول أخرى، في دولة شعبها ومملكتها أقدم شعوب و مماليك العالم، فالإعلام أقوى وسيلة في مجال التنشئة.
مشاركة المحتوى:
إرسال التعليق