الأمن الإستراتيجي للمغاربة بين مطرقة الفراقشية وسندان القراصنة.
قلم المرسول: الأستاذ عبد المنعم الكزان.
“المعرفة لا تستخدم لممارسة السلطة فقط ، بل إن المعرفة في حد ذاتها شكل من أشكال السلطة” كتاب المعرفة والسلطة لمشيل فوكو.
في خضم الجدل ذي يعرفه المشهد السياسي بخصوص الهروب الذي تمارسه الأغلبية البرلمانية بعد تصريحات نزار بركة الشعبوية حول دعم المواشي، أعلنت المعارضة عن تشكيل لجنة تقصي الحقائق، هذا الأمر جوبه بإتجاه الأغلبية الحكومية إلى تشكيل لجنة للاستطلاع، والتي لن تقدم شيئا اللهم عرقلة تحقيقات حول الملايين المهدورة في دعم استراد المواشي على غرار سابقاتها من المهام الاستطلاعية التي لم تقدم شيئا كذلك وبالتالي لن ترتب أية محاسبة على غرار سابقاتها من لجان الإستطلاع، بالتالي نتمنى أن يتدخل القضاء أو مؤسسات أخرى لوقف هذا العبث الذي تمارسه الأغلبية الحكومية، حتى يمكن معه تبديد العديد من علامات الريبة والشك التي أصبحت لدى العديد من المغاربة مما يزيد معه من تهاوي مؤشر الثقة في المؤسسات.
ففي الحين الذي كان المغاربة ينتظرون الخطوات التي يمكن من خلالها التحقيق حول هذه الملايين التي تم هذرها من أموال الشعب، جاءت فضيحة اختراق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بإعتبارها أكبر الكوارث الرقمية التي عرفها المغرب، والتي عرت عن عمق الأزمة التي يعرفها النظام الإداري الإقتصادي المغربي وكذا التفاوت المهول في الأجور بين المغاربة والاستغلال الذي يتعرض له العديد من المغاربة، إلى نخبة قليلة عبارة عن كارتيلات العائلية تحتكر السلطة والثروة عبر شبكاتها العائلية، وتتحكم في الإقتصاد والسياسة وتوريث المناصب وتصريفه بشكل ريعي في عدة مؤسسات من طرف هذه النخب وللأبناء والأحفاد وكأن المغرب ضيعة، توريث ينضاف إلى التوريث السياسي.
لقد كشف هذا الإرهاب الرقمي، بوضوح هشاشة البنية الرقمية المغربية، و إخفاق وتهاون بعض المسؤولين في هذا الوطن في حماية بيانات المغاربة رغم التنبيهات التي نبه إليها العديد من المواطنين، بحيث لطالما تغنى بعض المسؤولين الحكوميين بقوة المنظومة السيبرانية المغربية، مما يطرح معه التساؤل حول طبيعة التوظيفات والتعيينات في هذا المجال على غرار عدة مجالات التي تعتمد معايير أخرى غير معايير الخبرة الكفاءة.
ما وقع من استهتار يحتاج معه فتح تحقيق مع كل من فرط في حماية المعلومات الشخصية للمغاربة، لأن هذه المعطيات يمكن أن تستثمر في جميع المجالات بما فيها المجال العسكري بحيث أن المغرب أصبح مكشوف للعالم على المستوى الأمني بالشكل الذي يصبح من الضروري التفكير بشكل جدي في تطوير السياسة الرقمية، بالشكل الذي يمكن حماية خوادم الدولة المغربية من أي تأثير خارجي.
إن مثل هذه اللامبالاة ستسهم لا محالة في الرفع من منسوب إضعاف الثقة في عدة مؤسسات اقتصادية بالنسبة للمغاربة، كما وسيضرب في العمق كل السياسات العمومية المرتبطة بالتحول الرقمي، كما أنه سيأثر لا محالة على صورة المغرب على المستوى الدولي في عدة مجالات لأنه أصبح ورقة مكشوفة للجميع، مما سيضعف حتى قدرته الاستقطابية في مجال المال الأعمال كما ستكون له تأثيرات تمتد حتى إلى المستوى البعيد.
المطلوب اليوم هو ثورة رقمية شاملة تنطلق من محاسبة كل مسؤول على هذا التهاون الأمني وفتح تحقيق صارم للكشف عن ملابسات وأسباب هذا الإختراق، بالإضافة الى فتح تحقيق أيضا في الصفقات الرقمية المرتبطة بجميع الوزارات بإختصار تطهير المؤسسات من المحسوبية والفساد وترتيب الجزاء على كل المقصرين، والتعامل مع المجال السيبراني بالجدية المطلوبة التي لا تقل عن الجدية التي يتم التعامل معها في المجال العسكري، لأن خطورة المعلومات والبيانات لا تقل عن خطورة الرصاص بعيدا عن التغني الذي طالما أتحفنا به عدة مسؤولين حكوميين خلال خرجاتهم الإعلامية في مجال الرقمنة و الذكاء الصناعي و و و…
أما توجيه الأنظار إلى الجزائر أو غيرها فهذا لا ينفع شيئا مالم يتم معه الكشف عن المسؤولين المباشرين عن هذا الإرهاب السيبراني بغرض محاكمتهم، لأن المهم هو أن الآلاف من الأسرار الاقتصادية للدولة المغربية والتي يمكن استثمارها في الجانب الاقتصادي كما يمكن استثمارها في أي مجال من المجالات بما فيها العسكري، إنها أسرار أصبحت متاحة للعالم، بالشكل الذي يمكن معها القول أن هذا الإختراق السيبراني يتجاوز كل الزلات التي سقطت فيها المسؤولين الحكوميين وهو خطأ لا يغتفر و الذي يفترض معه الإعلان عن حالة الاستثناء أو على الأقل حالة الطوارئ حتى نتمكن معه من وقف هذا النزيف في معطيات الشخصية للمغاربة وتحديد جحم الخسائر وترتيب المسؤوليات.
مشاركة المحتوى:
إرسال التعليق